همسات وشيئ من الشرود
أخذتني قدماي حيث حجرة مكتبي يدفعني الحنين إليها والجلوس فيها ،أخذتُ أزيل الأتربة والغبار من على الأوراق الملقاة على المكتب منذ زمن بعيد ،وجلست أحتسي فنجان القهوة السادة على غير عادتي وأتذوق مرارتهُ ، وعلى مقربة منى بعض الأوراق المتراصة على الرف الزجاجي التى كنت قد عشت فى حضنها ، إنها هي نفسها التى تراقصت حروفي وكلماتي بين سطورها منذ زمن بعيد . ظننتُ لوهلة قصيرة من الوقت أنني قادر على أن أعود ثانية وأعزف الألحان وأبدع لتتراقص الحروف والكلمات ما بين أسطر الأوراق من جديد ، بيد تملكتها رعشة خفيفة أمسكت بقلمي ما بين أناملي وهممت أن أكتب . لحظات قليلة بعدها توقفت أناملي عن الحركة بينما ما زالت تمتلكها تلك الرعشة الخفيفة ،وهمست لي : لقد جف المعين وتاهت ملكاتك وتبلدت مشاعرك منذ وقت طويل ! أحسست حينها وكأنني أمسك بالقلم لأول مرة ورمقتها بناظري تارة وهمست في قلمي تارة أخرى : أكتب . فيرد علي هامساً إياي: ما أنا بكاتب ! لماذا تعصاني ؟ أناجيه ، حرك سنك ،أخرج جبرك ، فيقول هامسا : راودني . حركني . راقصني . أبهرني بأفكارك . أمتعني بأشعارك . وداعبني واقفز بي ما بين السطور ، وارسم ما تومىء به أناملك . أم تاهت منك الأفكار ؟ ودارت بك الأشجان وسط الأحداث؟ لحظتها فقط أخذت أموج بنفسي في نفسي وأهيم داخلها لعلي أصل إليها أو أتعرف عليها وأعرف معالمها التى غابت عني فخذلتني نفسي أن أصل إليها . عدت على همسات قلمي وهو يناديني ويناجيني أنظر إلى تلك الأشجار وتلك الأنهار فتداعب خيالاتك وتهز ملكاتك حتى تتولد أشعار قبل أن يصبح نقيق الضفدع ألحان جيتار ونعيق البوم والغربان صدى بوق ومزمار وهديل الحمام وتغريد الطيور نشاز بلا عنوان . دمعت عيني فرفعت حاجبي وخلعت النظارة وسقط القلم من بين أناملي على سنه وسط الأوراق . كانت نقطة غير واضحة المعالم أخذت أمسح دموعي وأتحسس وجهي وأدركت ساعتها أنها خذلتني وهربت منى وباعتني إلى شرودي ليباغتني بسؤال : عن ماذا أكتب ؟ عدت أتحسس قلمي وأواسيه وأحتضنه ما بين أناملي وهو يتلوى من الألم وهممت أن أحركه .عجزت أناملي عن الحركة . همس إلي بصوته الضعيف : ابحث عن بطل للقصة وسط الناس وسط الزحام فوق الأشجار فوق الأنهار تحت الأمطار .أخذت أعصر حبل أفكاري محاولاً أن أستدعىي ملكاتي الهاربة ولكنني عجزت حتى أن أصل إليها .عاد قلمي يهمس لي : أكتب عن طفل يحبو صدر يحنو ظلم يخبو حب ينمو قمر يزهو علم يعلو صبح يبدو . وقفت صامتا لا أجيد سوى الصمت لحظات قليلة ودمعت عيناي وسبحت فى ذكريات الماضي الحزين حتى عدت على صوته وهو يناجيني : أكتب عن زمن ضاع فيه الإحساس ما بين الناس أكتب عن حرب تدور رحاها لا تعرف معنى إنسان ، أكتب عن عش يسقط من بين الأغصان أكتب عن عرس يدفن تحت الأطلال أكتب عن أرض تروي بدمع عذارى باتت سبايا أكتب عن جسد بلا روح .
الكاتب سامي علوان
تعليقات
إرسال تعليق